Iqbal’s Substack

Iqbal’s Substack

الموسيقى والخيال الاجتماعي: نحو فهم جديد للوحدة الإنسانية

دراسة مختصرة

Iqbal obeid's avatar
Iqbal obeid
Sep 07, 2025
16
2
5
Share
How Music Affects Your Brain

الموسيقى والخيال الاجتماعي: نحو فهم جديد للوحدة الإنسانية

ترجمة : إقبال عبيد

الموسيقى ليست مجرد أصواتٍ متناغمة، بل طاقة خفية تُثير الخيال الاجتماعي وتفتح مساحات داخلية للدفء والتواصل، حتى في أقصى لحظات العزلة. بالمقارنة مع الصمت، تبدو الموسيقى كرفيقة صبورة؛ فهي قادرة على أن تُنير الصور الذهنية وتُعيد صياغة حضورنا في العالم. هنا تكمن قوتها: أداة بسيطة، منخفضة التكلفة، لكنها قادرة على التخفيف من الوحدة، ودعم مسارات العلاج النفسي بعمق إنساني يتجاوز الكلمات.

جوهر النتائج

  • الصور الاجتماعية: تكشف الموسيقى عن مشاهد حيّة من الترابط، تُولد في الخيال دون حاجة إلى لغة منطوقة.

  • شمولية التجربة: أكثر من 600 مشارك حول العالم صاغوا ما يزيد عن 4000 رواية عن تجاربهم مع الخيال الموسيقي.

  • وعد علاجي: تُبشّر هذه النتائج بإمكانيات جديدة لتدخلات مبتكرة في مجال الصحة النفسية.

الموسيقى كرفيقة
هل شعرت يومًا أنّ الموسيقى تُؤنسك حقًا؟ أن لحنًا ما يملأ فجوة الصمت كأنه يُخاطبك، لا كمجاز بل كوجود حقيقي؟
هذا ما أثبتته دراسة حديثة أجراها الدكتور ستيفن أ. هيرف، عالم الأعصاب الإدراكي في "مختبر الموسيقى والعقل والجسد" بمعهد سيدني للموسيقى. ولأول مرة، أظهرت التجربة العلمية أنّ الموسيقى قادرة بالفعل على أن تؤنس الفرد، عبر تسهيل تفاعلات اجتماعية مُتخيّلة تُحاكي صداقات أو لقاءات غير موجودة إلا في الذهن.

يقول الدكتور هيرف: "الموسيقى تُحفّز الخيال الاجتماعي". فهي، حتى دون كلمات، تُطلق مشاعر الدفء، الحميمية، والرفقة. إنها تُذكّرنا بأننا لسنا وحدنا، وأن العالم أوسع من حدود وعينا الضيق.

الموسيقى كفلسفة للوجود
سواء في لحظات الفرح أو الحزن، نلجأ إلى الموسيقى كما لو أنها لغة مشتركة مع العالم. الجديد هنا أن تأثيرها لا يتوقف عند تشكيل العواطف، بل يتجاوزها ليعيد صياغة أفكارنا وخيالنا. تصبح الموسيقى إذًا شريكًا صامتًا، يرافقنا في بناء صور ذهنية عن الآخرين، وعن ذواتنا كما نودّ أن نكون.

يرى الدكتور هيرف أن هذه النتائج لا تُضيء فقط العلاقة بين الموسيقى والخيال، بل تفتح أيضًا بابًا جديدًا لفهم العمليات الإدراكية العليا. إن الموسيقى ليست ترفًا أو مجرد فن، بل قد تكون وسيلة علاجية ثرية، خصوصًا في أزمنة العزلة التي عمّقتها أحداث مثل جائحة كوفيد-19.

رؤية جديدة للعلاج والخيال
ما لاحظه الباحثون هو دعم قوي لفكرة أنّ الموسيقى تُغذي الخيال الاجتماعي بشكل منهجي، وتُثير فيه مواضيع إنسانية عميقة. هذا الاكتشاف، في بعده الفلسفي والعملي، يفتح الطريق لاستخدام الموسيقى ضمن العلاجات السلوكية والمعرفية التي تعتمد على التصوير الذهني.

الموسيقى هنا ليست فقط انعكاسًا للمشاعر، بل بنية تُعيد تشكيل وعينا. كأنها جسرٌ يربط بين الداخل والخارج، بين العزلة والانتماء، بين الفرد والعالم.

الموسيقى، بما تحمله من قدرة على استدعاء الصور الذهنية، تتجاوز كونها مجرد ترفٍ جمالي لتصبح أداة علاجية يمكن توظيفها في الممارسات السريرية. فهي قادرة، على سبيل المثال، على تعزيز أساليب العلاج التي تعتمد على التصور الذهني: من العلاج بالتعرض لأنواع الرهاب، إلى التصور الموجّه المستخدم في حالات اضطراب ما بعد الصدمة. هكذا يتبدّى أن الموسيقى ليست فقط لغة الروح، بل أفق علاجي يختبره الطب النفسي الحديث.

وقد نُشرت هذه الدراسة مؤخرًا في مجلة التقارير العلمية، لتضيف بعدًا جديدًا إلى الفهم العلمي لدور الموسيقى في تشكيل التجربة الإنسانية.

الدكتور ستيفن أ. هيرف، زميل الأبحاث في برنامج "هورايزون" بجامعة سيدني، وزميل "ARC DECRA"، وقائد مختبر "الموسيقى والعقل والجسد" في معهد سيدني للموسيقى، طرح سؤالًا وجوديًا عميقًا: هل يمكن للموسيقى أن تُسهم فعلًا في تشكيل أفكارنا، لا مشاعرنا فقط؟

على مدار أربع سنوات، انشغل هيرف وفريقه البحثي بدراسة واسعة النطاق، شملت ستمائة مشارك من مختلف أنحاء العالم، في محاولة لفهم أثر الموسيقى على الخيال الاجتماعي. طُلب من المشاركين أن يغلقوا أعينهم، وأن يتخيلوا رحلات إلى معالم طبوغرافية: جبل، أو مكان بعيد. جرت التجربة في حالتين: صمت مطبق، أو أنغام موسيقية. وبعد كل رحلة متخيّلة، كان المشاركون يسردون روايات دقيقة لما شاهدته مخيلتهم.

باستخدام نماذج حاسوبية، كشف الباحثون عن ثيمة متكررة: الموسيقى تُطلق شرارة التواصل الاجتماعي في الخيال. إذ صاغ المشاركون صورًا ذهنية عن اللقاء، الضحك، الرقص، ومشاركة اللحظة مع الآخرين. ومن اللافت أنّ هذا الأثر لم يقتصر على الأغاني التي تحمل كلمات، بل بقي حاضرًا حتى عند حذف الأصوات، مما يدلّ على أن "شعور الرفقة" متأصل في البنية الصوتية للموسيقى ذاتها، لا في النصوص المرافقة لها.

الأكثر إثارة أنّ الفريق استعان بالذكاء الاصطناعي التوليدي لترجمة هذه التخيلات إلى صور بصرية، كأن الذهن وجد وسيلة للتجسيد خارج الذات. هذه التمثيلات لم تكن مجرد محاكاة، بل أدوات بحثية أتاحت إمكانيات جديدة لدراسات المتابعة والتعمّق.

في النهاية، وجدت الدراسة أنّ الموسيقى، مقارنةً بالصمت، تُفجّر الخيال وتُغنيه بمشاهد اجتماعية حيّة: جلسات رقص، أوقات ضحك، لقاءات تُذكّرنا بجوهر العيش المشترك. ولعلّ اختيار الموسيقى الشعبية من إيطاليا وإسبانيا والسويد لم يكن اعتباطًا، فهي أنماط موسيقية تحمل في بنيتها الذاكرة الجمعية للتواصل البشري، وتجعل من الخيال فضاءً مُفعمًا بالآخرين.

المفارقة أنّ الكلمات لم تكن ضرورية، ولا حتى الأصوات البشرية. الموسيقى وحدها كافية لتُوقظ فينا خيال الجماعة، وتُذكّرنا بأننا لم نُخلق للانعزال، بل للتشارك.

يشدد الباحثون على أن ما تم التوصل إليه ليس سوى بداية الطريق. فالموسيقى، بتنوعها الثقافي اللامحدود، لا تنحصر في النماذج الغربية التي اعتادت عليها المختبرات الأكاديمية. بل إن استكشاف الأنواع الموسيقية الأخرى، وخاصة غير الغربية منها، يَعِد بفتح آفاق جديدة لفهم أعمق للصور الذهنية التي تولدها الألحان، ويتيح بناء فضاءات أكثر شمولًا وانسجامًا مع تنوع التجربة الإنسانية. فبهذا الانفتاح، يصبح الاستخدام الترفيهي والسريري لتقنيات التصور الذهني أكثر ثراءً وتوافقًا مع نسيج الثقافات المختلفة.

وقد أسفرت جهود الفريق البحثي عن إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة تضم أكثر من أربعة آلاف "رحلة متخيلة"، محملة بتقييمات دقيقة للمشاعر، وأوزان لموضوعات متكررة، إضافة إلى تمثيلات بصرية جُمعت لتجسيد ما ينشأ من الخيال الموسيقي. إن هذه المادة الخام لا تُعتبر مجرد أرقام، بل أرشيفًا جديدًا للخيال البشري كما يتجلّى عبر وسيط الموسيقى.

وفي تجربة ثانية، كُلفت مجموعة جديدة من المشاركين بالنظر إلى صور أنشأها الذكاء الاصطناعي ومحاولة التمييز: أيّها وُلِد تحت تأثير الموسيقى وأيّها لا؟ اللافت أنّ القدرة على التمييز لم تظهر إلا عندما قام المشاركون أنفسهم بمهمة الاستماع. كأنّ الموسيقى تُدخلهم في حالة من "المعرفة المشتركة"، حيث يتقاطع خيال الفرد مع ما يتخيله الآخرون.

هنا يشير الدكتور هيرف إلى بُعد فلسفي عميق: "ما نراه هو نوع من نظرية العقل في سياق موسيقي"، أي أنّ الإنسان قادر على أن يتصور ما قد يتخيله غيره أثناء الاستماع، وكأن الموسيقى تخلق جسرًا غير مرئي بين الذوات. هذا الاكتشاف يفتح سؤالًا ميتافيزيقيًا: هل الموسيقى تكشف عن ذاتنا الداخلية فقط، أم أنها تمنحنا نافذة إلى وعي الآخر أيضًا؟

من الناحية العملية، حظي هذا البحث بدعم كبير من مؤسسات دولية رفيعة المستوى: من مجلس البحوث الأسترالي (ARC) عبر منحة "ديسكفري" للباحثين الناشئين (DECRA)، ومن جامعة سيدني عبر زمالة "هورايزون"، فضلًا عن المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم (SNF) من خلال منحة "SPARK". هذه الروافد التمويلية تؤكد أن البحث ليس جهدًا فرديًا فحسب، بل مشروعًا عالميًا تتشارك فيه مؤسسات ترى في الموسيقى أكثر من فن، بل أداة للعلم والمعرفة والعلاج.

ويُعلن المؤلفون، في نزاهة أكاديمية واضحة، عن عدم وجود أي تضارب في المصالح.

حول البحث
يقع هذا العمل في قلب مجال ناشئ يُعرف بـ علم الأعصاب الاجتماعي الموسيقي، حيث تلتقي الألحان بالخيال، ويلتقي الخيال بالآخر. إنّه ميدان يدرس كيف تُصبح الموسيقى لغة خفية للتواصل، وكيف تُعيد تشكيل وعينا بالذات وبالمجتمع، ليس فقط كخبرة جمالية، بل كقوة عابرة للعزلة، وصانعة لمعنى جديد في تجربة الإنسان.

ملخص

الصمت الانفرادي في مواجهة الأصوات الاجتماعية يكشف عن سرٍّ قديم: الموسيقى ليست مجرد خلفية صوتية، بل قوة قادرة على إعادة تشكيل الخيال البشري وإيقاظ الصور الذهنية، بما فيها تلك التي تتصل بالتفاعل الاجتماعي.

خلال جائحة كوفيد-19، حين انغمس العالم في عزلة غير مسبوقة، لجأ الناس إلى الموسيقى باعتبارها "مؤنِسة" ورفيقة غير مرئية، كأنها بديل عن الغياب الاجتماعي. لكن ظلّ السؤال: هل كانت هذه مجرد استعارة نفسية، أم أن للموسيقى فعلًا تأثيرًا تجريبيًا ملموسًا في الفكر الاجتماعي؟

للإجابة، أُجريت تجربة شملت ستمائة مشارك استمعوا إمّا إلى الصمت، أو إلى موسيقى شعبية غير مرتبطة بالمهمة (إيطالية، إسبانية، سويدية)، بينما طُلب منهم أن يتخيلوا رحلة نحو معلم طبوغرافي. ولضبط المتغيرات، قُدمت الموسيقى مع الغناء أو من دونه، فيما قُسّم المشاركون بين ناطقين أصليين للغات الأغاني وغير ناطقين بها.

كشفت النتائج أن الموسيقى، مقارنة بالصمت، أطلقت خيالًا أكثر حيوية، وأثارت مشاعر متصلة بالمحتوى المتخيل. والأعمق من ذلك أن موضوع "التفاعلات الاجتماعية" ظهر بوضوح في روايات المشاركين، كما أظهرت تحليلات "توزيع ديريتشليت الكامن". وباستخدام نماذج التأثيرات المختلطة البايزية، ثبت أن الموسيقى عززت الصور الاجتماعية المتخيلة حتى في غياب فهم لغوي أو تأثير مستوى الصوت، مما يبرهن على أن أثرها متجذر في بنيتها الصوتية ذاتها.

ولتجسيد هذا الأثر، استعان الباحثون بخوارزميات الانتشار المستقر لإنتاج تصورات بصرية مستمدة من خيال المشاركين، بينما أثبتت تجربة ثانية أن المشاركين الذين استمعوا إلى الموسيقى استطاعوا بدقة أعلى تمييز الصور المستوحاة منها مقارنةً بالصور الناتجة عن الصمت.

هكذا تتضافر النتائج لتُظهر أن الموسيقى ليست مجرد صدى خارجي، بل شريك داخلي، رفيق غير منظور ينسج حول الفرد عالمًا اجتماعيًا متخيّلًا. وفي هذا تكمن دلالتها الكبرى: الموسيقى قادرة بالفعل على أن تكون رفيقًا جيدًا، حتى في عزلة الصمت.

المقال الأصلي


16
2
5
Share

Discussion about this post

User's avatar
ساحة التحرير's avatar
ساحة التحرير
Sep 9

https://www.sahat-altahreer.com/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%8a%d9%82%d9%89-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%8a%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d9%81%d9%87%d9%85-%d8%ac%d8%af/

Expand full comment
Reply
Share
1 reply by Iqbal obeid
1 more comment...

No posts

Ready for more?

© 2025 Iqbal obeid
Privacy ∙ Terms ∙ Collection notice
Start writingGet the app
Substack is the home for great culture