نحن نعلم جميعًا أننا سنموت، فلماذا نعاني من أجل تصديق ذلك؟
في رواية "موت إيفان إيليتش" (1886)، يقدم ليو تولستوي شخصية رجل يواجه صدمة حقيقية عندما يدرك فجأة أن موته أمر حتمي.
نحن نعلم جميعًا أننا سنموت، فلماذا نعاني من أجل تصديق ذلك؟
في رواية "موت إيفان إيليتش" (1886)، يقدم ليو تولستوي شخصية رجل يواجه صدمة حقيقية عندما يدرك فجأة أن موته أمر حتمي. ورغم أن تلقي خبر إصابته بمرض خطير كان مفاجئًا وغير سار، إلا أن السؤال يبقى: كيف يُمكنه استيعاب حقيقة موته؟ هذا هو ما يعيشه إيفان، فهو لم يكن يتعامل مع موقف جديد فحسب، بل واجه صعوبة في فهمه بالكامل.
لقد كان القياس المنطقي الذي تعلمه من منطق كيزويتر، والذي ينص على "كايوس رجل، والبشر فانون، وبالتالي فإن كايوس فان"، يبدو له دائماً صحيحاً عندما يتعلق بكايوس، لكنه لا ينطبق عليه شخصياً. فكايوس يمثل الإنسان في صورته المجردة، وبالتالي يكون المنطق هنا دقيقاً تماماً. ومع ذلك، لم يكن هو كايوس، ولم يكن مجرد إنسان، بل كان دائماً كائناً فريداً يختلف تماماً عن الآخرين.
لن تكون رواية تولستوي كما هي، تحفة فنية، إذا كانت تتناول شذوذًا أو نزوة نفسية لشخصية خيالية لا تتواجد في الواقع. تكمن قوة الكتاب في تصويره الجذاب للتجربة العميقة التي تعكس جوهر معنى الإنسانية.
في عام 1984، قبيل احتفالي بعيد ميلادي السابع والعشرين، شعرت إيفان بوعي خاص: أنني سأتوقف عن الوجود في يوم من الأيام. كانت تلك التجربة هي الأولى والأكثر تأثيراً مما أسميه "الصدمة الوجودية". لقد كانت أكثر الأحداث إرباكاً في حياتي، ولم أختبر شيئاً مثلها من قبل.
بينما يتطلب الأمر أحيانًا مواجهة صدمة وجودية لتكتشف حقًا جوهرك، فإن التجربة نفسها لا تقدم لك دائمًا الفهم العميق لما عانيت منه، سواء في تلك اللحظة أو بعد مرور الوقت. فالحالة المرهقة من القلق تجعل عقلك عاجزًا عن استيعاب الأمور بوضوح. وعندما تتجاوز تلك اللحظة العصيبة، يصبح من الصعب جدًا استرجاع أي تفاصيل تخصها. إن العودة إلى ما كان في خضم الصدمة الوجودية تشبه محاولة استعادة حلم قد طواه النسيان، حيث يكمن التحدي الحقيقي في تذكر لحظة كنت فيها مستيقظًا بشكل غير اعتيادي.
على الرغم من أن الصدمة الوجودية قد تبدو غريبة، إلا أن المعلومات التي كُشِف عنها ليست كذلك، بل هي شيء لا يمكن إنكاره. هذا ما يجعل هذه الظاهرة مثيرة للحيرة. هل كنت على علم بأنني سأموت؟ من الواضح أنني كنت مدركاً لذلك، فكيف يمكن أن يكون ذلك مفاجئاً لي؟ من السذاجة أن أقول إنني كنت أعلم منذ زمن بعيد أنني سأموت، لأنه كان هناك شعور بأنني لم أصدق ذلك حقاً، وما زلت أجد صعوبة في تصديقه. هذه المشاعر المتناقضة تنشأ من طريقتين أساسيتين في التفكير في الذات، اللتين سأطلق عليهما وجهات النظر الخارجية والداخلية.
دعونا نتأمل كيف أصبح موتي المحتوم موضوعًا قديمًا. ينبع ذلك من القدرة الفريدة للبشر على الانفصال عن أفعالنا والتزاماتنا، مما يمكّن كل فرد من رؤية نفسه ككائن يعيش في عالم منفصل عن العقل، كإنسان من بين مليارات البشر. وعندما أنظر إلى نفسي "من الخارج" بهذه الطريقة، أجد أنه من السهل التأكيد على أنني سأموت. أدرك أن وجودي نتاج للاحتمالات غير المحدودة، وأن العالم سيستمر من دوني تمامًا كما كان قبل وجودي. هذه التأملات لا تزعجني، بل إن استقراري ينبع من حقيقة أنه رغم تفكيري في فناءي المحتوم، يبدو الأمر كأنني أفكر في شخص آخر. وهذا يعني أن النظرة الخارجية تخلق مسافة معرفية بيني كمفكر في هذه الأفكار وبين كوني موضوع هذه الأفكار.
تتمثل إحدى الطرق الأساسية لفهم أنفسنا في كيفية شعورنا بحياتنا "من الداخل" خلال أنشطتنا اليومية. ناقش مارك جونستون مؤخراً جانباً مهماً من النظرة الداخلية في كتابه "النجاة من الموت" (2010)، وهو الطبيعة المنظورية للتجربة الإدراكية. يُقدَّم العالم لي وكأنه محاط بجسدي، خصوصاً رأسي حيث ينشأ معظم حواسي. لا أختبر العالم إلا وأنا "في المركز"، وكأنني المحور الذي يدور حوله كل شيء. وعندما أغير موقعي، يتحرك هذا المركز الوهمي معي. هذا المركز في التجارب الإدراكية هو أيضاً المصدر الذي تنبع منه أفكاري ومشاعري وأحاسيسي الجسدية. يُسمّي جونستون هذا المركز "ساحة الحضور والفعل". وعندما نتخيل أنفسنا في قلب هذه الساحة، يبدو من غير المنطقي أن يتوقف هذا الوعي أو هذه الرؤية للعالم.
النظرة الداخلية تُعتبر الوضع الافتراضي لدينا. وهذا يعني أن التوجه الطبيعي هو رؤية العالم وكأنه يدور حولنا بشكل حرفي، مما يمنعنا من فهم ما نعرفه من منظور خارجي، وهو أن العالم يمكنه أن يستمر وسيظل كذلك حتى لو لم نكن موجودين.
لفهم حقيقة فناءي بشكل كامل، يجب أن أعي، ليس فقط على مستوى الفكر، أن تجربتي اليومية قد تكون مضللة، ليس في التفاصيل، بل في الصورة العامة. يمكن أن تقدم البوذية مساعدة في تحديد مصدر آخر للتشويه الجذري. كما يشير جاي إل جارفيلد في كتابه "الانخراط في البوذية" (2015)، فإننا نعاني من "الارتباك البدائي" الذي يترتب عن رؤيتنا للعالم ولأنفسنا من خلال عدسة ميتافيزيقية مادية. على سبيل المثال، أعتبر نفسي كائناً مستقلاً له جوهر دائم يحدد هويتي. هذه "الأنا" الأساسية تدعم التغيرات المستمرة في صفاتي الجسدية والعقلية. جارفيلد لا يقول إننا جميعاً ندعم هذا الرأي بشكل صريح. في الواقع، أتناقض مع ذلك، حيث إن الارتباك الأولي هو نتيجة استجابة غير عقلانية، وغالبًا ما يحدث على مستوى أدنى بكثير من الوعي.
عندما ندمج بين الحقيقية الظاهراتية التي تعبر عن مركزيتنا في العالم والنظرة الضمنية لذواتنا كمكونات، يصبح من الواضح كيف تجعل هذه العوامل فكرة عدم وجودنا غير مطروحة "من الداخل". وبالتالي، فإن أفضل فهم يمكننا الوصول إليه لفنائنا هو القبول المنفصل الذي ينشأ من الرؤية الخارجية.
البديل البوذي لرؤية المواد تجاه الأشخاص هو مفهوم "عدم الذات"، الذي اكتشفه ديفيد هيوم بشكل مستقل. كان هيوم يتأمل مجموعة دائمة التغير من الأفكار والمشاعر والإحساسات. واعتبر أن غياب الدليل على وجود ذات جوهرية يشير إلى عدم وجودها، واستنتج في أطروحة الطبيعة البشرية (1739-40) أن فكرة "الذات" ليست سوى أداة مساعدة للإشارة إلى شبكة من الحالات العقلية المرتبطة سببيًا، وليست شيئًا منفصلًا عنها.
على الرغم من وجود أفكار متشابهة بشكل واضح في النصوص البوذية، إلا أن النقاش الفلسفي يمثل جزءًا فقط من تعاليمها. يؤكد البوذيون أن الممارسة المتقدمة للتأمل تمكن الشخص من تجربة حقيقة اللاذات بشكل مباشر، بدلاً من أن تكون مجرد استنتاج. تدعم الأساليب النظرية والتجريبية بعضها البعض، ومن المرجح أن تتطور هذه الجوانب معًا بشكل مثالي.
دعونا نعود إلى مفهوم الصدمة الوجودية. قد يعتقد البعض أنه يجب البحث عن عوامل غير تقليدية تؤثر في حالتنا الطبيعية لإحداث هذه الصدمة. ومع ذلك، أرى أن الأفضل هو التفكير في الأشياء التي ينبغي إزالتها من تجاربنا اليومية. تنشأ الصدمة الوجودية نتيجة لتغيير جذري في الرؤية الداخلية، حيث يزداد الارتباك الأولي ويبدأ الشخص في تجربة نفسه بشكل مباشر ككائن غير جوهري. أعتبر اللاذات حقيقة ملموسة، ليست مجرد فكرة، بل انطباع حقيقي. أرى أن هويتي تمثل خداعًا، متخفية في صورة ذات ثابتة. أكثر ما يربك في تجربة الصدمة الوجودية هو الشعور بالكشف عن موتي المحتوم، والذي ينجم عن إعادة تقييم فناءي في سياق الاعتراف الجذري بحقيقة اللاذات.
هذا يثير تساؤلاً حول سبب انحسار الارتباك البدائي لفترة قصيرة في تلك اللحظات. تكمن الإجابة في ملاحظة هيوم أن حركة أفكارنا ومشاعرنا تتبع مبادئ الارتباط، حيث يسير تدفق الأفكار والعواطف في مسارات مألوفة، مما يتيح انتقالًا سلسًا من حالة إلى أخرى. إن الجهد الدؤوب لآليات الارتباط لدينا يعمل على درء الصدمات، وعندما تنهار هذه الآليات، تظهر تلك الصدمة وكأنها وحش كامن في الظلال.
لم يكن حدوث أول تجربة لي مع الصدمة الوجودية مجرد مصادفة، بل جاء بعد فترة طويلة من الانسحاب العميق. فقد أتاح لي الابتعاد عن محيطي المألوف - بما في ذلك الروتين الاجتماعي والممتلكات المريحة وكل وسائل التشتت والتخلص من الضغوط - فرصة لتقليل اعتمادي على الطيار الآلي في حياتي. هذا الانفصال أفضى إلى نشوء حالة من الصدمة الوجودية، والتي جاءت كزخة داخلية تطايرت بها أفكاري! - كان انقطاعًا مفاجئًا وجذريًا في اتصالاتي العقلية. في تلك اللحظة العابرة، استطعت أن أرى نفسي كما أنا حقًا.