كتابة : أورين أشكناني
ترجمة : إقبال عبيد
ما مدى جدوى قواعد الكتابة الإحدى عشرة التي وضعها مارك توين؟
تأمل في تراث عملاق.
آه، مارك توين… ذلك الكاتب الذي لا يزال حيًّا في الذاكرة الجمعية، وإن عرفه بعضهم — ويا للمفارقة — من ظهوره ضيفًا في إحدى حلقات مسلسل "ستار تريك: الجيل التالي"! نعم، قد اشتهر أيضًا بكتابة بعض الأعمال… إن جاز لنا هذا التبسيط. لكن هل كنت تعلم أن صديقنا مارك كان يحمل في روحه جذوة أشبه بما لدى "صانعي الأساطير"؟ أجل، فقد كان أحد أكثر الكتّاب الأمريكيين تأثيرًا، ومع ذلك لم يتردد قط في السخرية اللاذعة من القصص السائدة في زمانه، بل وهدم هالات التقديس المحيطة بها. عذرًا، أمهلني لحظة لأمسح دموعي. كم هو مؤثرٌ أن تلتقي روحًا ساخرة تُشبهك!
من بين أشهر انتقاداته مقالة بعنوان "الجرائم الأدبية لفينيمور كوبر"، حيث صبّ جام غضبه الساخر على رواية "قاتل الغزلان" الصادرة عام 1841. وقد كتبها عام 1895، ليؤكد مشاركته ذلك التقليد الذي يشتهر به "صانعو الأساطير": تقليب الأعمال الكلاسيكية بالنقد بعد مرور عقود على صدورها. شهقة. لا أعلم ما إذا كنا سنصبح صديقين، لكن المؤكد أن بيني وبينه كان سيقوم شيء… أقلّه علاقة معقدة!
وما علاقة هذا بالنقد الأدبي المعاصر؟
في افتتاح مقالته، يخبرنا توين أن ثمة ما بين 19 و22 قاعدة تحكم فن الرواية الرومانسية، وأن فينيمور كوبر — ويا للأسف — قد انتهك 18 منها. علماً أن آخر ست قواعد يُشار إليها على استحياء بأنها "قواعد صغيرة". تُرى، ما هذه القواعد؟ وهل من جدوى لها في سياق الكتابة المعاصرة؟ هيا نكتشف ذلك.
القاعدة الأولى: أن تنجز الحكاية شيئًا وتبلغ غايتها.
تبدو هذه العبارة، للوهلة الأولى، غامضة بعض الشيء يا مارك! لكن لا بأس، يمكننا البناء عليها.
في سياقنا الحالي — ونحن نكتب في عام 2025 — يمكن ترجمتها إلى دعوة واضحة: امنح قصتك هدفًا.
حين يصل القارئ إلى النهاية، ينبغي أن يتولد لديه شعور: "نعم، الآن فهمت لمَ قرأت هذا."
قد يتحقق ذلك من خلال رسالة محكمة الصياغة، أو نهاية متقنة الصدمة، أو كليهما معًا.
لنأخذ مثالًا معاصرًا:
عند انتهاء مسلسل Andor، لا يبقى مجال للبس في الغاية. فبعد سلسلة من الابتلاءات، يشعل أبطال القصة شرارة التمرد. ها هم مستعدون لمواجهة إمبراطورية بالباتين.
أما في كتاب بوبا فيت، فالوضع مختلف. فَرغم ضجيج المعارك، تبقى الغاية ضبابية: لِمَ كان هذا القتال؟
بوبا فيت يحكم تاتوين، لكن ما مغزى ذلك؟ ما الذي تغيّر فيه أو في العالم من حوله؟ الأسئلة أكثر من الأجوبة.
وغالبًا ما يُتهم هذا النوع من التقييم بالتركيز المفرط على "الحبكة"، وكأن الروايات يجب أن تتجاهل مشاعر الشخصيات وتفاصيل الرحلة الزائلة. لكن هذه مفارقة سطحية. فحتى أقواس الشخصيات — التي تُعد من أعمق عناصر الرواية — ما هي إلا حبكات متفرعة، تُكمل البنية وتغذيها.
الحقيقة؟ القصة الناجحة لا تختار بين الحبكة والمشاعر؛ بل تدمج بين سحر الوصول، ومتعة التيه، وتأملات الرحلة.
إنه ليس خيارًا ثنائياً، بل نسيجٌ عضوي.
الخلاصة:
نعم، القاعدة الأولى صائبة. لقد بدأ توين بداية موفقة، تُشير إلى أن ما سيأتي قد لا يخلو من فائدة، وربما من بعض المتعة القاسية أيضًا.
القاعدة الثانية
تنص القاعدة على ضرورة أن تكون حلقات الحكاية — أو أجزاؤها — عناصر أساسية في بنائها، تُسهم في تطورها ولا تُعد زوائد يمكن الاستغناء عنها.
صحيح أن مصطلح "الحلقات" قد يبدو غامضًا، لكن يُفهم من سياق كلام توين أنه يقصد كل جزء من القصة يجب أن يكون مكوّنًا لا غنى عنه في الكُل العضوي. وهذه فكرة قديمة قدم أرسطو، الذي تحدّث قبل أكثر من ألفي عام عن وحدة الحبكة.
غير أن هذه القاعدة لم تسلم من الجدل، حتى في عصرنا الحالي، ويتمحور النقاش فيها حول كلمة "ضروري": ما الذي يُعد فعلًا ضروريًا في سياق السرد؟
يرى بعضهم أن القاعدة تُلزم الكاتب بحذف كل ما لا يدفع القصة مباشرة نحو ذروتها. وبهذا المنطق الصارم، علينا — ويا لهول ذلك — أن نحذف شخصية ساموايز غامجي من سيد الخواتم، أو نكات سوكا في أفاتار: آخر مسخر هواء. نعم، يُمكننا نظريًا مواصلة القصتين من دونهما… لكن أي نكهة كانت ستبقى؟ ستكونان بلا روح. وهذا بحد ذاته ردٌ قويٌ على هذا الفهم المتشدد للقاعدة.
لحسن الحظ، لا يتبنّى أغلب النقاد هذا الرأي، ولا أظن أن توين نفسه كان يقصده. فالقصة — بطبيعتها — كيان معقد، تترابط فيه العوامل الجمالية والسردية والعاطفية. والمشهد يُعد "ضروريًا" حين يُسهم بشكل جوهري في أحد الأبعاد المهمة: الحبكة، أو بناء الشخصية، أو ثيمة العمل. فمثلاً، مشاهد تجوال لوك سكاي ووكر في تاتوين تم حذفها من حرب النجوم، بينما حُفظت مشاهد تدريبه مع أوبي وان لأنها كانت ضرورية لنضجه وتحوله.
نعم، ستبقى دائمًا هناك مساحة للتقدير والاجتهاد، لكن توين — في هذه القاعدة — يُقدّم أداة ممتازة لتصفية الزوائد وضمان ألا يضيع وقت القارئ فيما لا نفع فيه.
الخلاصة: مفيدة جدًا.
القاعدة الثالثة
تُلزم هذه القاعدة بأن تكون الشخصيات حية — باستثناء الجثث، بطبيعة الحال — وأن يتمكن القارئ من تمييز الجثث عن بعضها البعض.
هممم… لا يخلو هذا من سخرية! ويبدو أن توين، كعادته، يُضمّن نُكتته في قالب نقدي. ربما يُشير إلى أن بعض الشخصيات تكون باهتة أو جامدة إلى حد يُشبه الموتى، ما يجعل حضورها غير محسوس في النص.
وبالفعل، حدث أن قرأت رواية كان يمكن لهذه القاعدة أن تنطبق عليها! ففي عدالة الملوك، كانت الشخصية التي تُمثّل وجهة النظر في الفصل الأول راكدة تمامًا، حتى خُيّل إليّ أننا سنكتشف لاحقًا أنها شبح لا يراه أحد. ويا للأسف… لم تكن شبحًا، بل كانت فقط ضعيفة البناء.
لكن، دعونا نكن واقعيين. نادرًا ما يُخطئ الكُتّاب المعاصرون إلى درجة تحتاج إلى تذكيرهم بأن يجعلوا شخصياتهم "حيّة". ولهذا، فربما تكون هذه القاعدة أقرب إلى نكتة لاذعة على حساب "قاتل الغزلان"، لا إلى نصيحة جادّة.
الخلاصة: ساخرة جدًا لتُعدّ مفيدة.
القاعدة الرابعة
تنص هذه القاعدة على أن كل شخصية في الحكاية — سواء أكانت حيّة أم ميتة — يجب أن تُبرّر وجودها.
ها نحن نعود إلى المنطق مرة أخرى، وكأننا نُعيد صدى القاعدة الثانية، ولكن هذه المرة من زاوية الشخصيات لا الحلقات. نظريًا، إذا كان كل جزء من القصة ضروريًا، فلا بد أن تكون الشخصيات كذلك. لكنها — بخلاف الحلقات — تميل إلى الاستقلال والتمدد، وقد يُغري الكاتب بريقُ شخصية ثانوية فيُغرق معها الحبكة الرئيسية.
لنأخذ رواية عجلة الزمن مثالًا. في بداياتها، كانت الرواية تلتف حول رحلة راند، ومصيره، والصراع مع الشرير الأعظم. ولكن مع توسع السلسلة، بدأ المؤلف روبرت جوردان يُخصص فصولًا لوجهات نظر شخصيات لم يكن لها دور يُذكر سوى أنها شاركت في عبور نهر ذات مرة! وهنا يضيع التركيز وتتبعثر الجهود.
من هنا تنبع فائدة قاعدة توين. فهي تضع حدًا لهذا الانجراف العاطفي تجاه "كل شخصية جميلة". فالكاتب، بطبيعته، يميل إلى التعلّق بكل شخصية يخلقها، وكأنها طفل مُدلل لا يُخطئ. لكن الحقيقة أن القصة لا تتسع للجميع.
الخلاصة: مفيدة، ولو أنني أفضل أن يُعيد توين صياغتها بنسخة أكثر صرامة ووضوحًا.
القاعدة الخامسة
تنص القاعدة الخامسة على أنه حين تدور حوارات بين شخصيات القصة، ينبغي أن تكون تلك الأحاديث قريبة من الواقع البشري، بحيث يُمكن تصديقها في السياق الذي تُقال فيه، وأن تحمل معنىً واضحًا وهدفًا محددًا، وتبقى على صلة بالموضوع، وتُثري النص ولا تُرهق القارئ، بل تتوقف عندما لا يعود لها فائدة.
ما الذي جرى هنا يا مارك؟ هل كنت تُحاسب بالحرف؟ يبدو وكأن توين قد جمع كل ما يخطر في البال حول "كتابة الحوار الجيد" ودمجه في جملة واحدة طويلة مُرهقة، وكأنّه يُجسّد ما يحذر منه!
ربما أراد بهذه القاعدة أن يُمارس نوعًا من التهكم الخفي على الكتّاب الذين يسرفون في الوصف والثرثرة، أو لعلّها دعابة ثقيلة الروح — كما يُحب توين أن يُفاجئنا أحيانًا.
لكن عند تفكيك هذه القاعدة إلى عناصرها الأساسية، نجدها تتلخص في عبارة: "اكتب حوارًا جيدًا."
وهذا، للأسف، يُشبه أن تقول لك "كُن ذكيًا"، دون أن تُخبرك كيف!
مع ذلك، هناك جوانب يمكن التفاعل معها.
فمن حيث المبدأ، الحوار الذي لا يُضيف شيئًا للقصة، أو لا يكشف عن بُعدٍ في الشخصية، أو لا يدفع الحدث إلى الأمام، غالبًا ما يُعدّ حشوًا.
والنصيحة بأن يكون الحوار "ملائمًا" — أي متسقًا مع الموقف ومع طباع الشخصيات — تُعدّ توجيهًا سليمًا، وإن كان يصعب ضبطه بمقياس واحد.
غير أن محاولة توين لحشر كل المعايير الممكنة في سطر واحد أفقدت النصيحة بريقها.
فالنثر الواقعي — كما نعلم — يختلف عن الحديث اليومي. فالبشر يُكرّرون ويُثرثرون ويُخطئون، لكن القصص لا تحتمل ذلك.
الخلاصة: غير مجدية في صيغتها الحالية، لأنها فضفاضة ومتسرعة، وتحتاج إلى تفكيك وتبسيط لتغدو نافعة.
القاعدة السادسة
تنص هذه القاعدة على أن أي وصف تُقدّمه لشخصية في القصة، يجب أن يتجلى أثره في تصرفاتها وأقوالها داخل السياق السردي.
ها قد عاد مارك توين إلى قمّة لياقته! فلنُصفّق له من الضفة إلى الضفة.
للوهلة الأولى، قد يتبادر إلى الذهن أن المقصود هو التوازن في مقدار الوصف بين الشخصيات الرئيسية والثانوية.
لكن بعد التمحيص، يتضح أن المقصود أعمق من ذلك. فتوين لا يتحدث عن الكمية، بل عن التطابق بين القول والفعل، بين الوصف والسلوك.
بمعنى آخر: إذا وصفت شخصية ما بأنها "غامضة ومريبة"، فيجب أن تُجسّد القصة هذا الغموض. نراه يتلفّت، يشك، يُخفي، لا يبوح. وإن قلت إنها "حنونة"، فيجب أن نلمس الحنان في مواقفها لا في كلماتك فقط.
إنها نسخة مبكرة من القاعدة الذهبية في فن السرد: "أظهر، لا تُخبر." أو لنكن أكثر دقة: "أظهر، وإن أخبرت، فلا تُخالف ما أظهرت."
صحيح أن هناك لحظات نلجأ فيها إلى السرد المباشر، لا سيّما عندما تُبدي الشخصية رأيًا حاسمًا بشخصٍ آخر، أو تُعلّق على موقف بعينه. لكن حتى هذه المواقف تحتاج إلى استكمالٍ سردي يُبيّن للقارئ إن كانت تلك الانطباعات صادقة أم مضلّلة.
يُحسب لتوين أنه قدّم قاعدة لا تزال تتردّد أصداؤها في ورش الكتابة الحديثة. وربما يكون قد خالفها أحيانًا، كما هي عادة الكبار، لكنه — على الأقل — كان واعيًا لمحدودية السرد المجرّد.
الخلاصة: قاعدة مفيدة بامتياز، وتستحق أن تُعلّق على جدار كل كاتب، شريطة تجاوز صرامتها الزمنية بمساحة من المرونة المعاصرة.
القاعدة السابعة (المعنونة اصطلاحًا: القاعدة العنصرية)
تتلخص هذه القاعدة الغريبة في أن شخصيةً ما، إذا استهلّت حديثها في مطلع فقرة بأسلوبٍ متكلّف يُشبه وصف تمثالٍ صغيرٍ من "تقدمة الصداقة" — تلك التذكارات التي كانت تُباع بسبعة دولارات ومزخرفة بنقوش نباتية متقنة — فلا ينبغي لها أن تختم حديثها بنبرة "مُغنٍّ زنجي"، بحسب تعبير مارك توين ذاته.
يا للسخرية! في جوهرها، تُعبّر القاعدة عن مبدأ معروف: أن لا يتغير أسلوب الشخصية أو صوتها بشكل جذري دون مبرر درامي واضح. وهو مبدأ سليم في ذاته، لكنه — بصراحة — لا يُضيف جديدًا. فحتى الكتّاب المبتدئون نادرًا ما يقعون في فخ تغيير أسلوب الشخصية بهذا الشكل الحاد دون وعي. وبالتالي، فالنصيحة في ذاتها لا ترقى لأن تكون "قاعدة".
غير أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في مضمون القاعدة فحسب، بل في اللغة والمقارنة التي استخدمها توين لتوضيحها.
فهو يضع على طرفي النقيض أسلوبين لغويين: أحدهما أرستقراطي متأنق (رمزه: مجلة "تقدمة الصداقة")، والثاني هجائي–كاريكاتوري مستقى من تصوير نمطي للـ"زنجي المغني"، وهو تعبير يعود لعروض المينستريل العنصرية التي كانت شائعة آنذاك، حيث يُقلّد فنانون بيض صورة نمطية مُهينة للأميركيين من أصول إفريقية.
قد يُجادل البعض بأن توين كان يُمارس نقدًا مزدوجًا: يسخر من الزخرفة المفرطة كما يسخر من الابتذال، لكن ذلك لا يُعفيه من التورط في تحقير ثقافة بأكملها من خلال مقارنة جائرة تنطوي على تحيّز عنصري واضح.
وسواءً كان يتحدث عن شخص أسود حقيقي أو عن تمثيل ساخر أدّاه ممثل أبيض، فإن النتيجة واحدة: انتقاص من إنسانية فئة كاملة، ومحو لثرائها الثقافي تحت غلالة "الطرافة".
تجدر الإشارة إلى أن توين — رغم مواقفه التقدمية نسبيًا في بعض كتاباته مثل هاكلبيري فين — لم يكن بمنأى عن ترسبات عصره، وهذه القاعدة مثالٌ حي على ذلك.
لقد خانته لغته، وأفلتت من بين أصابعه مقارنة لم تكن فقط ركيكة بل مُهينة.
الخلاصة:
قاعدة تافهة من الناحية الفنية، ومُسيئة من الناحية الأخلاقية.
فحتى لو جُرّدت من عنصريتها، لا تبقى فيها قيمة إبداعية تُذكر.
القاعدة الثامنة
تنص هذه القاعدة على أنه لا ينبغي للكاتب — ولا لشخصياته — أن يفرض على القارئ تصرفات حمقاء وساذجة تُقدّم وكأنها مهارات راقية تُظهر البراعة والفطنة، كما لو كانت "مهارة الحطاب" و"فن الغابة الرقيق"، بحسب التعبير المستخدم في إحدى المقالات التي يُحاكيها توين ساخرًا.
من ناحية إيجابية، هذه القاعدة — أخيرًا — تخلو من التلميحات العنصرية.
أما من الناحية التطبيقية، ففهمها ليس يسيرًا. إذ يبدو أن توين يقتبس ساخرًا من أحد النقّاد الذين مدحوا فينيمور كوبر على ما وصفوه بـ"دقته" في عرض مهارات الحياة البرية في روايته قاتل الغزلان. ويُلمح توين إلى أن هذه "المهارات" في الحقيقة ليست سوى هراء مُغلّف بكلمات منمّقة.
وربما كان يقصد هنا مشهدًا مبالغًا فيه — كتقديم اللبلاب السام بوصفه طعامًا شهيًا! — ما يراه توين تجسيدًا فاقعًا للغباء يُمرّر تحت ستار "الحكمة البيئية".
لكن حتى لو كان هذا هو المقصود، فإن القاعدة شديدة الخصوصية بحيث يصعب استخلاص فائدة عامة منها، لا سيّما بالنسبة للكتّاب الذين لا يعرفون تفاصيل السجال بين توين وكوبر أو السياق الأدبي لعصرهما.
الخلاصة:
معذرةً يا مارك، لكن القاعدة فقدت قيمتها في عبور الزمن، ولم تعد مفهومة أو قابلة للتطبيق خارج سياقها الضيق.
القاعدة التاسعة
تشير هذه القاعدة إلى ضرورة التزام الشخصيات في القصة بما هو ممكن وفق قوانين الواقع، وأن تبتعد عن المعجزات أو الأحداث الخوارقية.
وإن اضطر الكاتب إلى إدخال عنصر خارق، فعليه أن يقدّمه بحنكة تجعله يبدو معقولًا ومتماشيًا مع منطق السرد.
أحسنت يا مارك! ها نحن أمام قاعدة واضحة ومباشرة، تُترجم إلى إحدى الركائز الذهبية في فن الرواية: تجنّب الحلول المعجزة أو غير المبررة.
فالحكاية التي تنتهي بيدٍ خفية تنقذ البطل في اللحظة الأخيرة تُفقد القارئ ثقته بالنص وتُفسد متعة الترقب.
ومع أن هذا الدرس شائع لدى الكتّاب ذوي الخبرة، إلا أن المبتدئين — على وجه الخصوص — بحاجة دائمة للتنبيه إليه. فإغراء التخلص من تعقيد الحبكة عبر "مصادفة سعيدة" أو "تدخل قدري" أمرٌ مغرٍ في لحظات العجز.
لكن، رغم قيمة هذه القاعدة، إلا أن توين لم يُكمل الصورة:
فالمشكلة لا تكمُن فقط في أن يُنقَذ الأبطال فجأة، بل في أن لا يكونوا قد استحقّوا هذا النصر.
الحبكة الجيدة لا تكتفي بجعل النهاية ممكنة… بل تجعلها مُرضية أخلاقيًا ونفسيًا.
فالقارئ لا يريد معجزة تنقذ البطل، بل يريد أن يشعر أن البطل كافح بما يكفي لينجو.
ومع ذلك، تُعد هذه القاعدة من أكثر نصائح توين نضجًا وبقاءً، ويمكن اعتبارها قاعدة ذهبية للمبتدئين، وإن بدت بديهية للمتمرسين.
الخلاصة:
قاعدة مُفيدة جزئيًا، لكنها ضرورية في مراحل التكوين الأولى لكل كاتب.
القاعدة العاشرة
تقتضي هذه القاعدة أن يُشعر الكاتب القارئ بعاطفة عميقة تجاه شخصيات القصة، وأن يُحبه للأخيار منهم، ويبغض الأشرار.
لكن هذا الموقف، بكل صراحة، لا يُغتفر فنيًّا. فالنصيحة قبل الفاصلة تختلف في جوهرها عما يليها.
الشق الأول — الدعوة لإشراك القارئ وجدانيًا في مصائر الشخصيات — توصية ممتازة، لكنها غامضة إلى حدٍّ يجعلها عديمة الجدوى. كيف يُفترض بالكاتب أن يُشعل هذا "الاهتمام العميق"؟ لا نعلم. ولم يوضح توين ذلك.
أما الشق الثاني من القاعدة، فينحدر نحو تبسيط مفرط وساذج. ففكرة أن القارئ يجب أن يُحب الأبطال ويكره الأشرار تُخالف ما أثبته السرد الأدبي عبر أجيال:
فـ"الشرير" قد يكون معقدًا، مأساويًا، أو حتى محبوبًا في شرّه.
كم من قارئ تعاطف مع هانيبال ليكتر؟ أو انحاز، على مضض، إلى جوكر هيث ليدجر؟
في المقابل، قد يُصبح "البطل" مُملاً أو مزعجًا إن كُتب بطريقة مثالية مفرطة لا تشبه البشر.
إنّ مطالبة الكاتب بصناعة شخصيات تُحبّ وتُكره ضمن ثنائية صارمة، تقوّض ثراء الشخصيات الرمادية، وتكبح فرص التعاطف مع دواخلها المتناقضة.
الخلاصة:
قاعدة مُربكة في بدايتها، ومُقيدة في نهايتها، ولا تصلح أن تكون مرشدًا عامًّا للكتابة المعاصرة.
القاعدة الحادية عشرة
تنص هذه القاعدة على ضرورة أن تُكتب شخصيات الحكاية بوضوح كافٍ، بحيث يستطيع القارئ توقّع ردّ فعل كل منها في حالة طوارئ معينة.
وإن بدا هذا التوجيه دقيقًا، إلا أن نفعه يعتمد على مدى واقعية الكاتب في تقييم أدواته.
فلو طبّقنا القاعدة حرفيًا، لأصبحت الشخصيات مجرد رموز ثابتة لا تحيد عن مسارها، مما يُفقدها العمق الإنساني والتعقيد الدرامي.
في الحقيقة، ليست المشكلة في الفكرة، بل في مستوى التوقع.
فلا بأس أن يعرف القارئ أن "وورف" سيُفضل المواجهة، أو أن "كراشر" ستُسعف الجرحى، أو أن "بيكارد" سيفكر بعقلانية قبل أن يُصدر أوامره — ولكن لا يُتوقع من القارئ أن يتنبأ تفاصيل الفعل، بل طبيعته العامة وشخصيته الداخلية.
إذا فهمنا القاعدة بهذا المعنى اللين، فهي تصبح مفيدة.
لكن إن طالبنا بأن تكون الشخصية قابلة للتنبؤ في كل موقف، فإننا بذلك نُسطّحها ونسلبها حريتها النفسية.
الخلاصة:
قاعدة نافعة إذا لم تُؤخذ بصرامة مفرطة، وتُفيد في ترسيخ هوية الشخصية، لا في تقييدها.
قواعد توين الصغيرة
١٢. عبّر عمّا تنوي قوله، لا تكتفِ بالتلميح إليه.
١٣. استخدم الكلمة الصحيحة، لا كلمةً قريبة منها.
١٤. تجنّب الإسراف أو الزخرفة الفائضة.
١٥. لا تُهمل التفاصيل الضرورية.
١٦. تجنّب الركاكة في الصياغة.
١٧. استخدم قواعد نحوية سليمة.
١٨. اكتب بأسلوب واضح ومباشر.
هذه "القواعد الصغيرة جدًا"، كما أطلق عليها توين، تُشبه الإرشادات العامة التي تُكرَّر كثيرًا في كتيبات تعليم الكتابة.
وقد تبدو بديهية حد السذاجة:
أن تستخدم الكلمة الصحيحة؟ طبيعي.
أن تكتب بجملة سليمة نحويًا؟ ضروري.
أن تتفادى الزخرفة؟ جميل — لكن لمن؟ فبعض الأساليب المزخرفة قد تكون مدهشة حين يتقنها أصحابها.
هذه النصائح، رغم صغرها، تحوي بعض الذهب، خاصة في قاعدة "قل ما تقصد، ولا تُضِع القارئ في متاهات التلميح."
ففي عصر تُغريه الرمزية المفرطة والتأويلات العبثية، من المهم التذكير بأن وضوح الرسالة ليس ضعفًا بل مهارة.
لكن لا يمكن القول إن هذه القواعد صالحة للجميع.
فالأسلوب الأدبي ثوب تُفصّله الموهبة والخبرة، وقد يكون البساط المفرط مملاً، كما أن الغموض المتعمّد قد يكون عبئًا على القارئ.
الخلاصة:
حقيبة أدوات بسيطة، نافعة للمبتدئين، لكنها ليست مقدسة ولا كافية بمفردها.
ينبغي أن تُستخدم بحذر، وأن يُفسح المجال للطموح الأدبي حين ينضج الكاتب ويشتدّ قلمه.
تمت