ثلاث فيلسوفات رائعات غيّرن العالم
على الرغم من أن الرجال قد سيطروا تقليديًا على مضمار الفلسفة، إلا أن هناك نساء فيلسوفات بارزات تألقن وأثرن بعمق في هذا الميدان.
ترجمة : إقبال عبيد
ثلاث فيلسوفات رائعات غيّرن العالم
على الرغم من أن الرجال قد سيطروا تقليديًا على مضمار الفلسفة، إلا أن هناك نساء فيلسوفات بارزات تألقن وأثرن بعمق في هذا الميدان.
لماذا يقتصر الحديث غالبًا على الرجال البارزين في ساحة الفلسفة؟ أفلاطون، أرسطو، ديكارت، ونيتشه - جميعهم يُنظر إليهم كأعمدة فكرية في هذا المجال، بينما لا تُذكر النساء إلا نادرًا كفيلسوفات. يُعتبر النساء، بطبيعتهن العاطفية وحدسيتهن، غير مؤهلات في كثير من الأحيان للانضمام إلى صفوف العظماء. لكن هل حقًا لم تكن لهن أي إسهامات ذات قيمة علمية على مر السنين؟ في هذه المقالة، سنستعرض ثلاث نساء فلسفيات قدمن إسهامات بارزة وعميقة في الفكر الفلسفي.
1. هيباتيا السكندرية: شهيدة الفلسفة
تُعلم هيباتيا في السكندرية، كما يروي روبرت ترويك بون في عمله التاريخي الغامض، عبر صفحات موسوعة بريتانيكا.
يُعتقد أن هيباتيا وُلدت في حوالي عام 350 ميلاديًا في عاصمة العلم والفكر، السكندرية. كان والدها، ثيون، فيلسوفًا عظيمًا ورياضيًا بارزًا، الذي حفز ابنته على استكشاف المعرفة والتعمق في دراسة مواضيع متعددة منذ صغرها. رغم قلة النساء اللاتي نلن اعترافًا بذكائهن في تلك الحقبة، إلا أن هيباتيا كانت محط إعجاب وتقدير كبيرين من أهل المدينة.
تبوأت هيباتيا منصب رئاسة جامعة الإسكندرية، حيث كانت تبث علوم الرياضيات والفلك وغيرها من المعارف. اعتُبرت من أتباع المذهب الأفلاطوني المحدث، وكانت ترى أن للرياضيات بُعدًا روحيًا عميقًا. من وجهة نظرها، كانت الأرقام لغة الكون، وأن فهم جوهر الإنسان يستدعي النظر إلى الرياضيات من زوايا جديدة ومبتكرة.
لقد أسهمت هيباتيا في تطوير العديد من الأدوات العلمية والرياضية، وألفت كتبًا دراسية في الرياضيات، مما جعلها تُحظى بتقدير عالٍ لعمق معرفتها وأسلوبها الأدبي المتميز. كانت تعزف على الآلات الموسيقية، وتتناول بعذوبة سحر العلوم وأسرار النجوم، وبرزت بتصرفاتها "غير التقليدية" التي تمردت على الأعراف السائدة للنساء في عصرها. ولم تتزوج أبدًا، بل ظلّت عازبة، مكرسة حياتها للتعلم ونشر المعرفة.
للأسف، وُقِّع هذا المصير بالفشل الذريع - وكل ذلك بفضل الصعود المهيب للمسيحية المبكرة وبدء الانقسام الديني. بمجرد أن ترسخت المسيحية كالدين السائد في الإمبراطورية، ازدادت قوة رئيس الأساقفة السياسية وبدأ يبث الرعب في أرجاء المدينة. وقد وُصِف بأنه "خدع الكثيرين بحيلها الشيطانية"، حتى أن أوريستيس، حاكم المدينة، امتنع عن ارتياد الكنيسة تحت تأثير "سحر" هيباتيا.
تفاقم الجهل بشكل مروع، فقُتلت هيباتيا على يد حشد من المسيحيين المتعصبين أثناء عودتها من الجامعة. جُرِّدت من ثيابها وسُحِبت إلى كنيسة، حيث أُجبرت على تقبيل الصليب توبةً عن ذنوبها وطلبًا للمغفرة. ثم تعرض جلدها للتمزيق حتى العظم بواسطة أصداف المحار، وبدأ ذلك الحشد في نزع لحومها. أما ما تبقى من جسد هيباتيا، فقد أُلقي في النيران. وبعد ذلك، أصدر رئيس الأساقفة أمرًا بإحراق الجامعة، مما أدى إلى نزوح واسع للمثقفين من المدينة.
تمثل وفاة هيباتيا نقطة تحول حاسمة، حيث اختتمت حقبة فكرية كلاسيكية وفتحت أبواب الاستبداد الديني على مصراعيها. تُعتبر هيباتيا، في نظر الكثيرين، رمزًا للشجاعة الفكرية، رغم أن الكنيسة قد أحرقت معظم مؤلفاتها واكتشافاتها القيمة. ومع ذلك، تظل هيباتيا، بوصفها واحدة من أبرز الفيلسوفات في زمنها، مثالاً يُحتذى به في مجال النسوية وحرية الفكر. فمن يدري ما العجائب التي كانت ستكتشفها لو لم يُسدل ستار الجهل والقسوة المستندين إلى الخوف على حياتها؟
2. توليا داراجونا: خبيرة الحب
وُلدت توليا داراجونا في عاصمة الفنون، روما، خلال أوائل القرن السادس عشر. قضت جلّ أيامها تتنقل بين جنبات إيطاليا، مُكرّسة حياتها لاستكشاف أبعاد الحياة والحب بجميع تجلياتها. وعندما أتمت عامها الثامن عشر، انطلقت في مسيرتها كعاهرة - معروفة أيضًا بأنها رفيقة لأثرياء المجتمع والنخبة. تميزت توليا بحواراتها العميقة وجاذبيتها المدهشة التي أسرت حتى أكثر الرجال صلابة. لقد استحوذت على قلوب العديد من الرجال، من بينهم المصرفيون وأحفاد العائلات العريقة والشعراء المبدعين. ويُروى أنها كانت الابنة غير الشرعية للكاردينال لويجي من أراغون، ولدت خارج الرباط المقدس للزواج، حيث تشاركت والدتها معها في المهنة ذاتها.
يبدو أن توليا اختارت هذا النمط من الحياة لنفسها بسبب تأثرها ببيئتها في سنوات طفولتها، ومع ذلك، استطاعت أن تستثمر كل طاقاتها في مسيرتها المهنية. بعد أن غاصت في عوالم الحب والجنس، واستكشفت تفاصيلهما عن كثب، قامت بنشر كتابين في عام ١٥٧٤، وهما "ريم" و"حوار حول لانهائية الحب". كان "ريم" عبارة عن مجموعة من القصائد والرسائل التي كتبتها أو تلقتها من مجموعة متنوعة من الرجال. أما كتاب "حوار حول لانهائية الحب"، فقد كان تجسيدًا لرؤيتها الفلسفية العميقة حول العلاقات الإنسانية. في هذا العمل، قدمت توليا رؤية مبتكرة وغير مسبوقة لنظرة النساء تجاه الحب، وهو ما كان يعدّ أمرًا نادرًا في زمنها، حيث كانت آراء النساء في مواضيع الحب والعلاقات تُعتبر من المحرمات.
في مؤلفها "حوار حول لانهائية الحب"، تطرح توليا فكرة مفادها أن العلاقة بين الرجل والمرأة ينبغي أن تلبي احتياجات كلا الطرفين روحيًا وحسيًا لتكون مُعزِّزة للمصلحة المشتركة. لم يكن يكفي أن يُقدّم الرجل المكانة الاجتماعية والدعم المالي فقط. كان هذا الرأي جريئًا للغاية من امرأة في عصرها، إذ كانت محظوظة بما يكفي لتتمكن من الانفصال عن أي رجل على الصعيدين العاطفي والمالي.
غالبًا ما كانت النساء تعاني من قسوة الحياة، إذ دفعتهم سنوات من القمع إلى الانغماس في علاقات غير سليمة بحثًا عن الأمان المالي. وكانت توليا من الرائدات اللواتي تحدّين هذا الصمت المقيت، مُعلنةً أن العلاقات التي تُبنى على طرف واحد ليست سوى وهم. فالعلاقة الحقيقية لا يمكن أن تكون "أحادية الجانب" إلا إذا تمكن كل من الرجل والمرأة من إشباع "احتياجاتهما الحسية والروحية" بصورة متبادلة.
تُعتبر توليا واحدة من الفيلسوفات النادرات، فقد كانت بلا ريب جوهرة نادرة في حقل حقوق المرأة في إيطاليا في ذلك العصر. انتقدت بشكل جريء الآراء السلبية تجاه المرأة في مسائل الحب والعلاقات، مسلطةً الضوء على حق النساء في التعبير عن أنفسهن بشكل جنسي. وقد أكدت أن الرغبات الجنسية "لا تُقهر ولا تُلام"، مما يعني أنه لا ينبغي تجريم أي فرد بسبب أسلوبه في التعبير عن هويته. على الرغم من أن أفكارها كانت خالدة، شجاعة ومتفردة، إلا أن صوتها ظل صامتًا في الكثير من النصوص والمقاطع الفيديو والدروس الفلسفية. فما هو السبب الذي قد يقف وراء هذا التجاهل؟
3. بيل هوكس: الناشطة المتعاطفة
اختارت بيل هوكس أن تظل في طي النسيان ككاتبة، حيث عبرت بوضوح عن رغبتها في تحويل الأنظار عن ذاتها نحو الرسائل العميقة التي أرادت إيصالها.
لكن قبل أن تتجلى ككيان مستقل تحت اسم بيل هوكس، كانت تعرف باسم غلوريا جين واتكينز، وُلِدت في عام 1952 في هوبكنسفيل، كنتاكي. نشأت بيل في الجنوب في ظل أجواء الفصل العنصري، وعاشت تجربة الإهمال المجتمعي المؤلم بسبب ظروف خارجة عن إرادتها. لقد وضعتها تلك البيئة المعقدة، التي نادراً ما توفر لها السكينة، في حالة من الاستفهام الذي لا ينتهي حول "لماذا" كل هذا؟ تساءلت عن جدوى تلك المعاناة واللائمة الموجهة إليها، كما لو أن وجودها كان يمثل عبئًا على عاتق مجتمع بأسره.
بدلاً من الاستسلام لهذا الرعب الذي كان يسعى للسيطرة عليها، اتخذت قرارًا جريئًا بتثقيف نفسها وسعت جاهدة لفهم جذور المشكلة. ومع كل غوص في أعماق اكتشافاتها، بدأت تسطر أفكارها. كان أول مؤلفاتها عبارة عن مجموعة شعرية بعنوان "وهناك بكينا"، التي رأى النور عام ١٩٧٨. وفي عام ١٩٨١، أصدرت كتابها "ألست امرأة: النساء السود والنسوية"، حيث تحدت بشجاعة الأوضاع السائدة في الحركة النسوية، محاججةً بأن هذه الحركة قد أغفلت النساء ذوات البشرة الملونة. لقد أتاح لها هذا الموقف من التقاطع بين الهويات أن تبرز كأحد الأسماء اللامعة في مجال الفكر، حيث طرحت آراءً عميقة حول المجتمع، ومعنى أن تكون أسود البشرة، والمشكلات المتعددة التي تواجهها، مما جعلها واحدة من أبرز الفلاسفة في القرن العشرين.
تناولت بيل موضوع الحب، والعرق، والنظام الأبوي، وغيرها من القضايا المهمة. وقد أكدت أن النظام الأبوي يُعد من أخطر التهديدات التي تواجه الرجال، إذ يفرض عليهم قيودًا تمنعهم من إظهار مشاعرهم أو ضعفهم. إن تحميل الرجل عبء القوة والسيطرة بشكل دائم يُفقده جوهر إنسانيته. كما أشارت إلى أن تفكيك الآراء الأبوية سيكون له فوائد جمة لكل من النساء والرجال، حيث سيساعد الرجال في التعبير عن مشاعرهم بحرية، مما يُعزز صحة نفسهم بشكل كبير.
واصلت بيل مسيرتها التعليمية في مجالات اللغة الإنجليزية والدراسات العرقية والدراسات الأمريكية الأفريقية ودراسات المرأة في العديد من الجامعات المنتشرة في كافة أرجاء الولايات المتحدة. وفي عام 2004، وجدت في النهاية موقعها كأستاذة في كلية بيريا بولاية كنتاكي. وفي هذا المعهد، تأسس معهد بيل هوكس في عام 2014، ليكون منارة للإبداع الفكري. لقد أسهمت أفكارها حول الحياة والعالم بعمق في إيقاظ شعور شعب بأسره بقدرتهم على التعبير عن آرائهم. لا يمكن نسيان إسهاماتها في مجالات العرق والحب والفلسفة، إذ أن تأثيرها على العالم يبقى خالدًا عبر الزمن.
التأثير المُستهان به للفيلسوفات
لقد تركت هؤلاء الفيلسوفات الثلاث بصمة عميقة في العالم، إذ قدمن أفكارًا وثقافات مُنعشة حول الحياة والحب والوجود بشكل عام. لطالما انصبّ التركيز على فلسفات الرجال، الذين يُعتبرون، بطرق غريبة، "العظماء" الوحيدين في هذا المجال.
تألق اسم هيباتيا، المرأة الجسورة التي تصدت بكل شجاعة للآراء الدينية المتطرفة، ساعيةً لاكتشاف الروابط بين الرياضيات والروحانية. ثم تأتي توليا داراغونا، التي تحدت ضغوط المجتمع حول مفهوم الأنوثة في عصرها، مُخالفًة المعايير التقليدية التي تحدد كيفية تجربة المرأة للحب والجنس. وأخيرًا، بيل هوكس، تلك القوة التي لا يُمكن تجاهلها، رغم شعورها بأن العالم بأسره يقف ضدها لأسباب خارجة عن إرادتها. فقد كانت واحدة من أبرز الفيلسوفات عبر العصور، وعزمت على أن تُسمع صوتها، مُحدثةً تحولاً جوهريًا في المنظورات الاجتماعية والعرقية.
“التسامح والرحمة في نظري هما وجهان لعملة واحدة: كيف نُقيم أخطاء الآخرين، بينما نحرص في الوقت ذاته على أن نتواصل مع إنسانيتهم، مدركين تمامًا أن في جعبتهم القدرة على التحول والتغيير؟”
-بيل هوكس
ما تم التعمق في فلسفاتهم في المقال لكنه جعلني اتساءل
لماذا كانت المعرفة هي خوف المتدينين الأكبر
مقال جميل جدًا سلمت يُمناك.